الأدلة من كتاب الله ـ تعالى ـ :
1- الدليل الأول :
قال تعالى: ﴿وحاقَ بآلِ فرعونَ سُوءُ العذابِ النَّارُ يُعْرضونَ عَليهَا غُدُواً وعَشياً ويومَ تقومُ السَّاعةُ أدخلوا آلَ فرعونَ أشَدَّ العذابِ ﴾ [غافر:45-46].
قال الطبري (11/66) : « قيل : عُنِي بذلك : أنهم يعرضون على منازلهم في النار تعذيباً لهم غدواً وعشياً .
ذكر من قال ذلك : ... ثنا سعيد عن قتادة ﴿ النَّارُ يُعْرضونَ عَليهَا غُدُواً وعَشياً ﴾ قال : يعرضون عليها صباحاً ومساءً يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخاً ونقمةً وصغاراً لهم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يُقال : إنَّ الله أخبر أنَّ آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً وجائز أن يكون ذلك العرض على النار » .
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ :
«﴿ وحاقَ بآلِ فرعونَ سُوءُ العذابِ ﴾ وهو الغرق في اليم ثم النقلة منه إلى الجحيم فإنَّ أرواحهم تُعرض على النار صباحاً ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ولهذا قال : ﴿ ويومَ تقومُ السَّاعةُ أدخلوا آلَ فرعونَ أشَدَّ العذابِ﴾ أي:أشدَّه ألماً وأعظمه نكالاً، وهذه الآية أصلٌ كبيرٌ في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى : ﴿ النَّارُ يُعْرضونَ عَليهَا غُدُواً وعَشياً ﴾ » تفسير القرآن العظيم(4/83).
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ :«﴿ ومِنْ ورَائِهِم بَرزخٌ إلى يومِ يُبْعَثون ﴾ [ المؤمنون:100] وقال أبو صالح وغيره في قولـــه ـ تعالى ـ : ﴿ ومِنْ ورَائِهِم ﴾يعني أمامهم. وقال مجاهد : البرزخ الحاجز ما بين الدنيا والآخرة. وقال محمد بن كعب : البرزخ ما بين الدنيا والآخرة، ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ولا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم. وقال أبو صخر : البرزخ المقابر لا هُمْ في الدنيا ولا هُمْ في الآخرة فهم مقيمون إلى يوم يبعثون . وفي قوله تعالى : ﴿ ومِنْ ورَائِهِم بَرزخٌ ﴾ تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ كما قال تعالى: ﴿ مِنْ ورَائِهم جَهَنَّم﴾» .
2ـ الدليل الثاني :
قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ ومَنْ أَعْرضَ عَنْ ذِكْري فَإنَّ لهُ مَعيشَةً ضَنْكَاً ونَحْشُرُه يومَ القِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ . [طه :124].
والمعيشة الضنك: هي عذاب القبر ، كما فسرها النبي ـ ﷺ ـ وابن مسعود وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة ـ رضي الله عنهم ـ .
فعن أبي هريرة عن النبي ـ ﷺ ـ في قوله ـ جلَّ وعلا ـ:
﴿ فَإنَّ لهُ مَعيشَةً ضَنْكَاً ﴾ قال : « عذاب القبر ».
أخرجه ابن حبان في صحيحه (3109) والحاكم (1/380ـ381 ) وحسنه شيخنا الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (3109).
وعنه ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : « إنَّ المؤمن في قبره لفي روضة خضراء، فَيُرحب له قبرُه سبعون ذراعاً، ويُنوَّر له كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيما أنزلت هذه الآية: ﴿ ومَنْ أَعْرضَ عَنْ ذِكْري فَإنَّ لهُ مَعيشَةً ضَنْكَاً ونَحْشُرُه يومَ القِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم قال : « عذاب الكافر في قبره ـ والذي نفسي بيده ـ إنه يُسَلَّط عليه تسعة وتسعون تنيناً، أتدرون ما التنين سبعون حية، لكل حية سبع رؤوس يلسعونه، ويخدشونه، إلى يوم القيامة » .
أخرجه ابن حبان (3112) وأبو يعلى (11/521) وابن أبي شيبة (3/258/4)وحسنه شيخنا الألباني في صحيح الترغيب (3552).
وعن عبد الله بن مسعود: «﴿ فَإنَّ لهُ مَعيشَةً ضَنْكَاً ﴾ قال : عذاب القبر » . أخرجه الطبراني في الكبير برقم (9143).
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي ـ ﷺ ـ قال : « ﴿ فَإنَّ لهُ مَعيشَةً ضَنْكَاً﴾ قال عذاب القبر ».أخرجه الحاكم (2/381) وقال صحيح على شرط مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري قال : « ﴿ فَإنَّ لهُ مَعيشَةً ضَنْكَاً﴾ قال:يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ».أخرجه عبد الرزاق في مصنفه(3/584/6741).
3ـ الدليل الثالث :
قال تعالى : ﴿ومِمَّنْ حَولَكُم منَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ومِنْ أَهْلِ المدينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُم نَحْنُ نَعْلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدُونَ إلى عَذَابٍ عَظيم﴾ [ التوبة 101 ]
روى الطبري (6/456) والطبراني في الأوسط(1/241) وابن أبي حاتم ... عن ابن عباس قال: خطب رسول الله ـ ﷺ ـ يوم الجمعة فقال أخرج يا فلان فإنك منافق فذكر الحديث، وفيه ففضح الله المنافقين فهذا العذاب الأول، والعذاب الثاني: عذاب القبر » .
قال الطبري ـ رحمه الله ـ في تفسيره (6/456): «غير أن في قوله جل ثناؤه ﴿ ثُمَّ يُرَدُونَ إلى عَذَابٍ عَظيم﴾ دلالة على أن العذاب في المرتين كلتيهما قبل دخولهم النار والأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر » .
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ :
«وقال مجاهد في قوله ﴿ سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ﴾ يعني القتل والسبي. وقال في رواية ؛ بالجوع وعذاب القبر ثم يردُّون إلى عذاب عظيم .
وقال ابن جريج: عذاب الدنيا وعذاب القبر ثم يردُّون إلى عذاب عظيم النار .
وقال الحسن البصري : عذاب في الدنيا وعذاب في القبر .
وقال محمد بن إسحاق : ﴿ سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ﴾ قال : هو فيما بلغني ما هم فيه من أمر الإسلام وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حِسْبَة ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ثم العذاب العظيم الذي يردُّون إليه عذاب الآخرة والخلد فيه .
وقال سعيد عن قتادة في قوله : ﴿ سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ﴾ عذاب الدنيا وعذاب القبر ». تفسير القرآن العظيم(2/506).
4ـ الدليل الرابع :
قال الله ـ تعالى ـ: ﴿ يُثَبِّتُ اللهُ الذين آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَة﴾ [ إبراهيم : 27 ].
عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ ﷺ ـ قال :
«إذا أُقْعِد المؤمن في قبره أُتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله فذلك قوله ﴿ ﴿ يُثَبِّتُ اللهُ الذين آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ ﴾.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة، بهذا وزاد ﴿ يُثَبِّتُ اللهُ الذين آمَنُوا ﴾ نزلت في عذاب القبر » أخرجه البخاري (1369ـ4699) .
عن البراء بن عازب قال : قال النبي ـ ﷺ ـ : «﴿ يُثَبِّتُ اللهُ الذين آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ ﴾ [ إبراهيم : 27 ] قال: نزلت في عذاب القبر فيقال له من ربك ؟ فيقول ربي الله ونبيي محمد ـ ﷺ ـ فذلك قوله ـ عز وجل ـ:﴿ يُثَبِّتُ اللهُ الذين آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَة ﴾ » أخرجه مسلم (2871) والترمذي (3120) وغيرهم .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قلت: يا رسول الله تُبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة ؟ قال : ﴿ يُثَبِّتُ اللهُ الذين آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَة ﴾ صححه شيخنا الألباني في صحيح الترغيب والترهيب