بسم اللله الرحمن الرحيم
الهجرة الى الحبشة
الهجرة إلى الحبشة
أصبحت مكة سجنا كبيرا يعذب فيه ضعفاء المسلمين ، فهذا امية بن خلف يخرج عبده بلال بن رباح - رضي الله عنه - في حر الظهيرة و يطرحه على ظهره عريانا فوق الرمال المحرقة ، و يضع على صدره صخرة كبيرة ، كل هذا العذاب لان بلالا أسلم و سيده يريد منه ان يكفر بمحمد و يعبد الاصنام ، لكن بلالا كان قوي الايمان صلب العقيدة ، لم يلن ولم يستسلم ، و كان يردد قائلا : أحد .. احد . و تحمل كل هذا العذاب حتى فرج الله عنه .
و عذب المسلمون داخل بيوتهم ؛ فهذا مصعب بن عمير قد حبسته أمه ، و منعت عنه الطعام ، و جمعت اخواله حتى يعذبوه ليترك الاسلام ، و هكذا اصبحت مكة مكانا غير مأمون على المسلمين ، فتعذيب الكفار لهم يزداد يوما بعد يوم ، ففكر النبي صلى الله عليه وسلم في مكان يطمئن فيه على أصحابه ، فوقع اختياره على الحبشة ، فأمر اصحابه ممن يطيقون الهجرة بالتوجه إليها ، لان فيها ملكا لا يظلم عنده أحد ، و خرج بعض المسلمين المهاجرين إلى هناك سرا ، و كان من بينهم عثمان بن عفان و زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه و سلم ، و جعفر بن ابي طالب و زوجته اسماء بنت عميس ، و عبدالله بن مسعود -رضي الله عنهم- و غيرهم .
و لما علم أهل قريش بذلك اشتد غيظهم ورفضوا أن يتركوا المسلمين المهاجرين إلى الحبشة وشأنهم، بل صمموا على إرجاعهم إلى مكة، فاختاروا من بينهم رجلين معروفين بالذكاء، وهما: عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي بلتعة وأرسلوهما بهدايا إلى ملك الحبشة، فدخل عمرو بن العاص على النجاشي، وقال له: أيها الملك، إنه ضوى (جاء) الى بلدك منا سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، و لم يدخلوا في دينكم ، و جاءوا بدين مبتدع ، لا نعرفه نحن ولا انتم ، و قد بعثنا إلى الملك فيهم آباؤهم و اعمامهم و عشائرهم ؛ لتردهم اليهم ، فهم أعلى بهم عينا و أعلم بما عابوا عليهم ، فرفض النجاشي أن يسلم المسلمين لهم ، حتى يبعث إليهم ويتأكد من صحة كلام عمرو و صاحبه .
فارسل النجاشي في طلب المسلمين المهاجرين إلى بلاده فجاءوا إليه، وأنابوا جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- حتى يتحدث باسمهم، فسأله النجاشي: ما هذا الدين الذي قد فارقتم به قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل ؟ فرد عليه جعفر قائلا: أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، و نأتي الفواحش ، و نقطع الأرحام ، و نسيء الجوار ، و يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه ، و صدقه ، و أمانته ، و عفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، و نخلع ما كنا نعبد نحن و آباؤنا من دونه من الحجارة و الأوثان ، و أمرنا بصدق الحديث ، و أداء الأمانة ، و صلة الرحم ، و حسن الجوار ، و الكف عن المحارم و الدماء ، و نهانا عن الفواحش ، و قول الزور ، و أكل مال اليتيم ، و قذف المحصنات .
وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ، و أمرنا بالصلاة و الزكاة و الصيام فصدقناه و آمنا به ، و اتبعناه على ما جاء به من الله ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا ، و حرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا , فعدا علينا قومنا فعذبونا و فتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله - تعالى - وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلَم عندك أيها الملك، فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به الله من شيء؟ قال جعفر: نعم. فقال النجاشي: اقرأه علي.
فقرأ عليه جعفر أول سورة مريم، فبكى النجاشي، ثم قال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، ثم قال لعمرو وصاحبه: انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ورد النجاشي الهدايا إلى عمرو ولم يسلم المسلمين إليه ، و هكذا فشل المشركون في الإيقاع بين المسلمين و ملك الحبشة .